You Are Here: Home» » القدسية مقابل الفتو



الإنسان هو الذي صنع لنفسه رموزا خاصا له، لكي يقدسها بمحض إرادته، ولولا حاجته  الإيمانية والنفسية ومشاكله الحياتية لما فعل ذلك، والعبادة تشفيه من الفراغ الممل في حياته، و تساعده على التفكير نحو الخارق الخفي الذي يحس بوجوده، ولولا انشغال الإنسان بهذه الأمور، لما قدس الرموز التي يصنعها بنفسه، فهو يتأمل أن ترشده الرموز الدينية إلى المقدس الذي قد يتجلى فيها الخارق الخفي، فليتمس من خلالها الرضا والغفران واليسر..

قدس الإنسان الحجر والشجرة والحيوان والمياه والرياح والسماء والقمر والشمس والنجوم والغيوم ...إلخ ولولا ارتياح "المتقدس" من تقديس المقدس روحيا ونفسيا و ماديا ومعنويا، لما قدم لها الأموال والبنون وكل غالي نفيس..
و تاريخ تقديس الإنسان للمقدسات يمتد إلى آلاف السنوات، والواقع فأن البحث في هكذا موضوع ليس سهلا، وإدراكه أيضا لن يكون سهلا ، وسأبسطه من خلال اختصار الزمن، و اختصار الرموز المقدسة، وأتوقف عند العلاقة بين الأيزيدية و" لالش المقدس" وأنا لا أستطيع أن اتصور الأيزيدية من دون" لالش" ولا لالش من دون الأيزيدية، فكلاهما مخلوقان للأخر .. لالش أوجدت الأيزيدية، والأيزيدية مجدوها وعظموها وقدسوها..
دور لالش بالنسبة إلى الأيزيدية لا يثمن، ولولاها لانهارت الأيزيدية في ضل الفتوحات منذ أمد طويل، و للالش فضل لا يقيم على صمود الأيزيدية أمام الغزوات والفتوحات والمحن المصائب، ولها الفضل الكبير على الموازنة بين المشاعر الإيمانية والنفسية تجاه  الخارق الأعظم لما وراء المنظور "الميتافيزيقيا"..
إذن لالش الرمز المقدس الذي يمنح الأيزيدية شحنات إيمانية و العزم
والهمم والصبر والسلوان، ولالش الدرع الإيماني والنفسي المعنوي الذي يقي الأيزيدية من الذوبان هنا وهناك .. إذن من لالش دواء لكل داء، ومن الأيزيدية (الفتو) والنذور والتقد مات..
لالش لا تجوع ولا تعطش، ولكنها بحاجة إلى إنسان يشرف على إدارتها وصيانتها، من أجل ديمومتها، فديمومتها هي ديمومة قدسيتها، و ديمومة قدسيتها هي ديمومة هوية الأيزيدية، و مهما كان عددهم..
ولو لا " لالش " لما كنا نحن الأيزيدية اليوم هنا وهناك، وقد لا نجد بين مفردات اللغة العربية كلمة تفيد معنى (الفتو) بدقة كما هي: في لغة نصوص الديانة الأيزيدية، و يمكن ترجمتها إلى (أجر، وأجرة، وثمن ) و كلمة (أجر) هنا لا تعني الثواب لوجه الله تعالى، فهو ثمن مادي مقابل ثمن قدسي ..
والذي يزور معبد لالش عادة يعرف ماذا يريد وماذا يفعل، فهو قد جاء من بعيد وقصد لالش، ومجيئه ليس من أجل نزهة أو سياحة أو للاستمتاع بمناظر وادي لالش، أو ليتعارف على شخص معين، فهو إذن جاء لكي يرتمي أمام المقدس كالدخيل الذي يدخل على الداخل لأمر مهم جدا،
فهو الذي جاء إلى وادي لالش متحملا مصاريف غير قليلة وتحمل معانات الطريق الطويل وركب المخاطر، ليس فقط لتقديس لالش، وإنما هو بحاجة ماس لمشاهدة المقدس  مباشرة، وأنه بحاجة أن يقدس المقدس أيضا مباشرة، فمشاعره الإيمانية وظروفه الحياتية، أملت عليه أن يأتي إلى لالش لتقديس المقدس، مباشرةً ، وهو بحاجة إلى الاطمئنان على حاجته النفسية والمادية ..
الناس يؤمنون من وراء تقديس المقدس، بأنه يباركهم ويبعد عنهم الشر وأن يزيد من أرزاقهم، ويعظم من شأنهم، ويفرج عنهم الضيق، ويزيل عنهم الهموم و المصائب ..إلخ..
إذن جاء الزائر إلى المقدس لحاجة إيمانية أو لهموم الدنيا، فهو إذن في لالش، ليس من باب اللهو والنزهة، وإنما كي يقدس المقدس و يلتمس منه الشفاعة و البركة والاطمئنان الروحي والنفسي والمعنوي والدنيوي..
مقام المقدس لا يأكل ولا يشرب، لكن له مشرف " سادن" فهو الذي يأكل ويشرب و يحتاج إلى دعم المادي والمعنوي، لأنه بشر يأكل ويشرب ، وهو المسئول على صيانة المقدس وخدمته وتعظيمه أمام الزوار، فهو إذن: الذي يعبر عن المقدس بالقول والعمل والمعرفة، وعلى لسانه يسمع الناس الأدعية والأقوال والإرشادات، توجد أدعية لجميع المناسبات، فهناك دعاء خاص بزوار العتبات المقدسة، وفي مقدمتها يقول السادن:
(ماش به ت، برات به ت، خلات به ت) ما معناه: الله يبارك فيكم ويزيد معاشكم ويقبل أجركم..
ولا يعقل أن يكون هناك خادم سادن "مجيور" بالمواصفات المذكورة لا يأكل ولا يشرب، أو أنه يأكل ويشرب من ماله، ومن أين له المال إذا لم يعمل؟ وهو الذي يكرس كل أوقاته لخدمة المقدس، ولا يستطيع العمل في مجال أخر، كما أنه لا يستطيع العيش من دون وارد يقيه الجوع وبرد الشتاء وحر الصيف، و لو لا السادن الذي يتكلم في حظور المقدس، لما شعر الزائر "المتقدس" بأنه قد نال غايته الإيمانية والروحية والنفسية والدنيوية..
والزائر المتقدس يعرف مسبقا، بأن عليه واجب أخلاقي أن يضع (الفتو) على عتبة المعبد، وهو يعرف مقدما بأن (الفتو) هذا لن يذهب إلى
الفقراء ولا إلى صندوق الخيرات، وهو يعطي (الفتو) إلى سادن العتبة المقدسة، والمتقدس يعرف أيضا بأن السادن يقوم بواجب المقدس ويحافظ عليه في مقابل وارد يتكفل معيشته، إلى جانب طموحه بهذه المكانة الرفيعة التي يحسد عليها..
وفوق هذا المنظور نحن أمام طرفان يتبادلان الحاجة، طرف يعطي تقديس، وطرف أخر يعطي حاجة مادية، فمن لالش القدسية، ومن "المتقدس" (الفتو) وهو حق من حقوق السادن على "المتقدس" و(الفتو) ليس خيرا أو منة من أحد، بل هو واجب أخلاقي و ليس فرضا على أحد، والذي لا يقدس لا يدفع ( فتو) للسادن ، والمتقدس يستطيع أن يقدس ولا يعطي (الفتو) ولكن الخجل من السادن ليس بالأمر الهين وهو سيلاحقه كلما شاهد السادن، ولو كان في وادي لالش صندوق خاص للمرضى وأخر للفقراء وأخر للطلبة وأخر للرعايا الاجتماعية ...إلخ
والذي يريد أن يفعل الخير في سبيل الله والإنسانية، يذهب إلى هذه الصناديق و يساهم ببعض النقود، فلذلك أرى بأن (الفتو) ليس ثوابا، وإنما هو واجب أخلاقي لديمومة المقدس وسادنه ..
وعن (الفتو) أعتدنا نحن معشر الأيزيدية نسمع شخصان يتبادلان الحديث، فيقول أحدهم الأخر: ته، فتو، دايه / هل أعطيت الفتو ..؟
ته، فتو، دانا، سه ر، درجكى / هل وضعت الفتو على العتبة.. ؟
هه را ، فتو وئ ، خوو ، بدا / أذهب وأعطي فتوحك..
كل الإسهامات التي تصب في منفعة المجتمع الأيزيدي: هي خير وثواب، سواء عن طريق المقدسات أوعن طريق المنظمات الإنسانية والإصلاحية ..
ذكرنا بأن (الفتو) حق من حقوق سادن معبد لالش، لأنه الشخص الذي يمسك بمفاتيح المعبد عمليا، ولكن رسميا الأمير هو الذي يمسك بتلك المفاتيح، و هو السادن الرسمي والكبير، و لكونه أمير مشرف على شؤون
العتبات المقدسة كافة، فهو لا يستطيع أن يكون يتفرغ فعليا سادن عتبة مقدسة واحدة، و حتى هذا غير ممكن لأنه يمضي كل وقته للأشراف على رعاية الأيزيدية الدينية والدنيوية..
ولو كان الأمير سادن معبد لالش عمليا و وظيفيا، لكان (الفتو) كله له، ولا أحدا يستطيع أن يعارضه أو ينافسه ، ولكن ما حدث ويحدث هو: أن الأمير يؤجر (الفتو) الوارد من المتقدسين، إلى شخص غريب عن أهل بيته، ويصبح هذا الغريب سادن معبد لالش، لقاء مبلغ يتفق عليه الطرفان ..
و الأفضل للأمير لو أنه سلم مفاتيح معبد لالش لأصاحبه الأدانيين لقاء إيجار معقول، أو أن يختار سادنا من أهل بيته وبراتب معين أو بالمزايدة كما هي الآن، وقسم وارد (الفتو) إلى ثلاثة حصص، ويوزع الثلثين على أبناء بيته حسب الأجداد، ويحتفظ بثلث لنفسه، لأنه أمير له مصاريف كثيرة..
ولو شاء القدر وأمم الأيزيدية (الفتو) فالواجب الأخلاقي والديني والاجتماعي سيلزم الأيزيدية أن يتكفلوا بمعيشة الأمير بما يليق بمكانته، و أن يلتزموا بحقوق أبناء بيته من الأمراء، أسوة بالشيوخ الشمسانية و الأدانية القاتانية، فكان لأجدادهم الأوائل مرداء هم الآن بين مرداء شيوخ القاتانية، وما حدث أن جد هذه السلالة الأميرية، تنازل عن مريديه لأبناء عمومته الذين رضوا أن يكونوا شيوخ المريدين ، و من أجل رسومهم العينية انفصلوا عن بيت الأمراء، ولذالك يبقى أبناء الأمارة شركاء الأمير ( بالفتو) لأنهم  خسروا رسوم المريدين مثله..
ومن الأمور الهامة، حل مشكلة أبناء بيت الأمارة المحرومين من رسوم
المريدين و(الفتو) فأما أن يكونوا أمراء ولهم حقوق مثل الأمير في
(الفتو) وإما أن يعاد إليهم لقب الشيوخ القاتانية ويعاد إليهم مرداءهم
الموجودين بين مرداء شيوخ القاتانية، و حسب العدالة والأنصاف، ولكن هذه مسألة معقدة جدا وغير عمليا وغير قابلة للتنفيذ..
لذا فالحل الأمثل هو أن يحتفظ أبناء بيت الأمارة بلقبهم الأميري وأن يأخذوا الثلثين من (الفتو) كضمان بسيط لسد حاجتهم المادية، والثلث يكفي الأمير مع ماله من الموارد الأخرى.. وإلى زمن ليس ببعيد، كان الأيزيدية يقدمون إلى بيت لالش عشر ما عندهم من المحاصيل والماشية والأبناء أيضا، وأنا أعرف نموذج من هذه النذور البشرية، والقصة هذا النوع من النذور هي باختصار : تبدأ برجل رزقه الله عشرة أبناء، ولما بلغ ابنه العاشر سن السابعة من العمر، ذهب به إلى معبد لالش كي يبرئ ما في ذمته، ولما أقترب من باب المير وضع حبلا حول عنقه وقادته كما يقود الشاة نحو صحن المعبد..
وكان بإمكان الوالد أن يفك ولده من سادن معبد لالش لقاء نقود أو ثور أو عدد من الأغنام، وعندما رأى سادن معبد لالش، رجل يقود ولده ،عرف الموضوع، فهو قد شاهد مثل هذا المنظر سابقا، فأسرع إلى حيث ما يجب أن يكون، وهو الجلوس بجانب عتبة المعبد، لكي يقوم بواجباته، وفي هذه الفترة الزمنية كان السادن هو أحد أبناء الشيخ إبراهيم الختمي بن الشيخ شرف الدين بن الشيخ حسن ألعدوي، فتقدم أبو الولد وهو يسحب ولده إلى عتبة باب "ألقابي" حيث يقف السادن، فجلس الأب على ركبتيه وأخذ يقبل العتبة تارة بشفتيه وتارة أخرى يقبل رؤوس أصابعه التي يلامس بها العتبة، والشيخ السادن يتلوا الدعاء الخاص في هذه المناسبة، و نهض الأب بكل خشوع و أنحني أمام الباب، وأخذ يقدس يمين و يسار عتبة الباب، ومن ثم وضع كفه الأيمن على كفه الأيسر ومدها بكل احترام نحو الشيخ السادن طالبا يده، فيمد له الشيخ السادن يده الأيمن، فيمسك بها الأب و يقبلها قبلة التقديس، تعبيرا على صدق إيمانه وحسن نيته، ومن ثم تكلم قائلا : يا شيخي أنت السادن وأنت وكيل معبد لالش وأنا جئت أقدم للمعبد العشر من البنين وها أنا جئت به لكم، فباركه الشيخ السادن ودعا له من الله أن يحفظ بيته ويبارك في رزقه و في أبناءه و أن يصونه من الشرور، ومد الشيخ السادن يده إلى عنق الولد وحرره من الحبل، وقال للولد: والآن أنت ولدي وأنا أبوك، فتدخل الأب و ألتمس من الشيخ السادن قائلا:
أنا أريد أن أشتري منك ولدي كما هي العادة، وأنت أختار الثمن وأنا مستعد أن أدفع ما تطلبه، وأنت أختار بين النقود والأموال الأخرى، ولكن الشيخ السادن فاجئا الأب بقوله: أنا بحاجة إلى ولد وليس إلى ألأموال، ولن أبيع ولدي هذا لك بكنوز الدنيا..
رجع الأب وقد حزين على فراق ولده الذي تركه في المعبد، وفرحة لأن ولده أصبح ولد الشيخ السادن و أصبح من المقيمين في لالش، ومن لا يتمنى ذلك لولده ..؟ وما فعله الشيخ السادن أنه عامل الولد كما لو كان هو ولده الحقيقي، ورباه كما يربي أبناءه، ومنحه حقوق أبناءه، وهو: حق الوراثة فيما له من الأموال والملك والامتيازات، وله الحق كما لأوده أن يرفع (الفتو)
والنذور على العتبات المقدسة التابعة للشيخ السادن، كما يفعله أبناء الشيخ الحقيقيون..
وعندما وأصبح الولد المنذور مرحلة الشاب، زوجه الشيخ السادن، و كون أسرة كبيرة، بعدها خرج من منزل الشيخ السادن، و سكن أحد أحفاده عين سفني مع مجموعة أخرى من العوائل الهكارية، و يعرفون بآل سعدون، ومن أبناءهم : سمو، مادو،سلو، ومن أقاربهم : سمو أبو علي الملقب بعلي كلا ، ومحمود برستكي ورفو كندالي ، ولا يزال آل سعدون يحملون لقب (بني) وهذه كلمة عربية مشتقة من البنوة.. ولا علاقة لها مع كلمة (بني) الكوردية التي تعني خادم، وهناك ملحق للقصة تثبت ما ذكرناه ، وأنا سمعت هذه القصة الملحقة حديثا من الشيخة حياة بنت الشيخ رشيد أحد أبناء الشيخ إبراهيم الختمي، فقالت الشيخة حياة: كاد يسقط مقام جدنا الشيخ إبراهيم الختمي الموجود في وادي لالش لأنه قديم وقد مضى على بناءه مئات السنوات، ولم يستطيع جدنا من صيانته و أعمامنا أهملوا المقام أيضا، وفيما بعد قرر والدي الشيخ رشيد هدمه وإعادة بناءه، بحيث يصلح للسكن الموقت في مواسم الزيارات إلى وادي لالش.. طرح والدي الفكرة على
أقاربنا ولكنهم لم يصغوا إليه، وأخيرا قرر أبي أن يقوم ببناء المقام على نفقته الخاصة، فيكون الطابق الأسفل مقام جدنا والطابق الثاني يكون لنا مسكنا في وادي لالش عند الحاجة..
ولما باشر أبي بالبناء حسدوه هؤلاء الأقارب، وحاولوا منعه من البناء، ولكن أبي لم يصغي إليهم ولم يهتم إلى محاولاتهم الحثيثة لمنعه من البناء بأي وسيلة، وضل والدي يواصل البناء من دخله البسيط، ولما عجز أقاربنا عن إيقاف أبي عن البناء، عندئذ قرروا تقديم شكوى ضد أبي عند الأمير خيري بك، ولكن الأمير لم يتدخل بينهم وبين أبي ،فعندما فشلت محاولتهم مع الأمير خيري بك..
ذهبوا إلى آل سعدون لكونهم ورثاء وشركاء معنا في هذا المقام، ومن حقهم منع أبي من الانفراد بهذا الملك، وهنا أضطر أبي أن يزور أبناء آل سعدون واحد تلو الأخر كي يطلب منهم الموافقة على مواصلة بناء مقام جدنا، وأخيرا تنازل أبناء آل سعدون لأبي عن حصتهم، ولولا تنازلهم لما أستطاع أبي من مواصلة البناء..
ذكرنا بان المجتمع الأيزيدي كان فقيرا جدا، وهذا يعني بأن (الفتو)أيضا كان قليلا، ورغم قلته كان بيد الغرباء عن بيت ألعدوي، و كان السدنة يتناوبون كما يتناوبوا في عهدنا هذا، و تأكدنا من أن الأمراء كانوا يؤجرون عتبة معبد لالش وعتبة عين البيضاء وعتبة الشيخ شمس، لقاء مبالغ رمزية تقل عن مائة ربية عثمانية، ونذكر منهم: حسينێ ره نگينێ وفقير كوثر وفقير حسن وفقير شمو وفقير حجي وأخوانه ..
و السدنة كانوا يعيشون على (الفتو) المتبقي مما يعطى للأمير وبعض أبناء بيته وضيوفه أثناء المناسبات التي تقام في وادي لالش، وكانت تلك المبالغ تحسم من ثمن الإيجار كما في وقتنا الحاضر، والأيزيدية كانوا يحصدون لبيت الأمارة مجانا ويساهموا في صيانة قصره مجانا، وكان الأمير يغرم المخالفين ويحتفظ بالغرامة لنفسه، وكان يورث من ليس له وارث ويرث من ليس لهم أبناء ذكور، و كانت هناك موارد أخرى، وعلى العموم كان دخل الأمير متواضعة بالنسبة لزعماء ذلك العصر وكان كثيرا بالنسبة للأيزيدية..
وبهذا الدعم الاقتصادي البسيط كان الأمير يتحرك ويراجع المراجع العليا ويعطي الولاة رشاوى لدفع الأذى عن الأيزيدية ولحماية نفسه ولحماية العتبات المقدسة، و كانت قسم من تل الأموال تذهب لبناء علاقات مع الأغوات ورؤساء العشائر الكوردية والعربية..
وشاءت الظروف أن يكون تحسين بك أمير الحج الذي يمسك بمفاتيح معبد لالش والمسئول المباشر على المعابد والمزارات والرموز الدينية المقدسة..
وكما ذكرنا لقد تحسن وضع الأيزيدية المادي والمعنوي والاجتماعي منذ بداية الستينات، و ظهرت طبقات ثرية بين الأيزيدية وانتشرت بينهم السيارات بنسبة كبيرة، وكان للسيارات الدور الكبير على توافد زوار وادي لالش، و تحسن اقتصاد الأيزيدي، وهذا التحسن شجع الأيزيدية أينما كانوا على زيارة وادي لالش، خاصة في المناسبات الدينية، وهذه الأمور أدت إلى زيادة (الفتو) عشرات الأضعاف، وهذه الزيادة أخذت ترفع سعر إيجار (الفتوا) الوارد من تمثال الطاؤوس، والوارد من العتبات المقدسة في وادي لالش، والذي يدفع أكثر هو يكون السادن، ويحتفظ الأمير تحسين بك بكل الواردات المذكورة لنفسه ويحرم منها جميع أبناء أهل بيته..
وما أراه مناسبا وكما ذكرت سابقا: أن يحتفظ الأمير بثلث الواردات لنفسه ويوزع الثلثين على أبناء بيت الأمارة..
ومنذ فترة هبطت المشاعر الإيمانية تجاه المقدسات، فأصبح (الفتو) لا يعتمد على المشاعر القدسية لدى المتقدس، ومع ذلك نلاحظ ارتفاع غير مسبوق في حجم (الفتو)، فتغيرت المعادلة، ومع ضعف منظور الإيماني لدى الأيزيدية، ظهرت طبقة البويات وطبقة المهربين وطبقة المهاجرين، فأظهرت هذه الطبقات البرجوازية المتخلفة، منافسة فيما بينهم، فتسابقوا في ميادين المظاهر والفخفخة، وما يحصل الآن هو أن (الفتو) قد خرج عن نطاق الأيمان والرجاء لدى غالبية تلك الطبقات، فتحولت مشاعرهم إلى مشاعر حب المظاهر والفخفخة، و لولا وقوف السادن على العتبة شخصيا لقل (الفتو) كثيرا، ولكن أشراف السادن المباشرعلى العتبة وهو يركز النظر على حركات الشخص الذي يقدس العتبة، فيرى بنفسه كم من النقود يضعها المتقدس على العتبة وهو يعرف إمكانياته المادية مسبقا، فإذا كان المبلغ كبيرا هلل له وكثف له الدعاء والمديح، وإذا كان المبلغ متواضعا لا يناسب إمكانياته، سيتلو الدعاء بفتور وهو غير راضي، وكل زائر يعرف هذا، والثري والمنافق يعرف هذا أكثر من الجميع، والذي عنده المال يستطيع أن يكسب مديح السادن ودعائه، وكل ما يحتاجه هذا المنافق هو: وضع مبلغا
محترم على العتبة..
من حق السادن أيضا أن يتصرف وفق مصالحه، فهو قد أجر (الفتو) من الأمير بملغ كبير، وهو: يريد أن يربح، و لا أن يخسر، فكلما
يزيد عدد الزوار لبيت لالش، كلما يزيد(الفتو) وكلما يرفع الأمير سعر
الإيجار (الفتو) كلما سعى السادن إلى الربح، وهكذا دواليك..




البا حث أبو أزاد
مدينة ميونيخ ـــ ألمانية
18/9/ 09
Tags:

0 التعليقات

Leave a Reply

سيتم قراءة تعليقك من قبل هيئة التحرير وفي حال الاسائة الى جهة ما، سيتم حدفه بالفور!.
الاكاديمية الايزيدية

About

صفحة جديدة 1

مواضيع الاكاديمية